ا
لملح واضراره الحديث عن أضرار الملح، عادة ما يكون من الأمور الهامشية لدى البعض. ربما بسبب بطء ظهور نتائج أو أعراض استخدام الملح بكثافة في النظام الغذائي على الصحة، هناك بعض من الأشخاص ممن لا يستطيع تناول وجبة إلا وبها نسبة كثيفة من الملح بكل ما تحويه من صوديوم بنسب أكبر بكثير من حاجة الجسم، مما يتسبب بضرر بالغ على المدى البعيد. ربما يحدث هذا بسبب تأثير نمط الحياة المعتمد على السرعة في كل شيء، وقضاء وقت طويل خارج المنزل، على الأنظمة الغذائية لكثير من الناس. فكَثُرَ الاعتماد على الأغذية السريعة أو الأطعمة المعلبة والمحفوظة والتي تحتوي على الصوديوم بكميات كبيرة. قبل الحديث عن أضرار الملح، من المفضل التعرف على ماهية الملح، ودوره في الجسم، والنسب المقترحة – حسب المؤشرات الطبية العالمية – للاستهلاك اليومي، بالشكل الذي يحافظ على الصحة، ولا يؤثر على الشهية في نفس الوقت. تركيبة الملح الملح كمركب كيميائي يتكون بنسب متساوية من الكلور والصوديوم، ولذلك يُسمى كلوريد الصوديوم Sodium Chloride ويُشار إليه بالرمز الكيميائي NaCl. يتواجد في شكل مكعبات بللورية بيضاء مختلفة الأشكال والأحجام، سهلة الذوبان في الماء. على عكس المشهور بين الناس، فليس المقصود بنسب الملح في الجسم (ملح الطعام) فحسب، وإنما كل الأغذية التي تحتوي على نسب مرتفعة من الملح، مثل الأجبان، المعلبات، الأطعمة المحفوظة، الخبز، الحبوب، اللحوم المدخنة والمصنعة، والمخللات بشكل عام. يحتاج الإنسان البالغ الذي لا يعاني من أي أمراض مزمنة إلى 2300 ملغم من الصوديوم يوميًا، وهو ما يتوافر في 5 جرامات من ملح الطعام، إذا استثنينا تناول الأطعمة التي تحوي كميات كبيرة من الصوديوم. أما في حالة وجود أمراض مزمنة مثل السكري، ضغط الدم المرتفع، أمراض القلب، أو أمراض الكلى، فيُفضل أن تقل النسبة إلى 1500 ملغم من الصوديوم يوميًا، وهو ما يعني تقليل كمية الملح إلى 3 جرام يوميًا فقط. تاريخ الملح في حياة الشعوب عرفت الحضارات القديمة الملح وفوائده في وقت مبكر للغاية. المؤشرات التاريخية الموثقة عن الحضارات تقول بأن الصينيين عرفوا الملح منذ أكثر من خمسة آلاف عام. ولكن المتأمل في استخدامات الملح قديمًا يرجح أن الملح كان معروفًا قبل هذا بكثير. فبجانب استخدامه العادي في الطبخ، كان الملح يُستخدم في حفظ وتجفيف اللحوم، وهي كانت تعتبر من الوسائل الرئيسية في حفظ الطعام قديمًا. كذلك
عرفه المصريون القدماء واستخدموه في تحنيط موتاهم. وكانت الإمبراطورية الرومانية تستخدم الملح كأجرة فترة غير قليلة من الزمن. بل إن لفظة Salary التي تعني (الأجرة أو الراتب) تم اشتقاقها في الأساس من لفظة ملح Salt. كذلك اُستخدم الملح في الصين والحبشة والهند كعملة وكذا للمقايضة. فوائد الملح تتركز الفائدة الأساسية لملح الطعام – أو مركب كلوريد الصوديوم – في احتوائه على مادة الصوديوم، المعدن الهام لإتمام الكثير من العمليات الحيوية في الجسم. بالإضافة إلى أن الملح يعطي الطعام مذاقًا شهيًا جذابًا، فهو يساعد في تنظيم عمل الجهاز الهضمي، ونقل الإشارات العصبية، ويساهم في خفض تقلص العضلات المفاجئ وخاصة للرياضيين. كذلك يعمل على وقاية الجسم من ضربات الشمس من خلال حفظ حرارته. بالإضافة إلى أنه شديد الأهمية في تنظيم سوائل الجسم، وحفظ توازن القاعدة والحمض فيه. أضرار الملح وعلى الرغم من الفوائد الكثيرة للملح، إلا أن المبالغة من استهلاكه تتسبب في العديد من الأمراض. في أحدث تقاريرها عن الملح – اليوم العالمي للصحة للعام 2013 – أكدت منظمة الصحة العالمية World Health Organization (WHO) أن النسبة المثالية للاستهلاك اليومي من الصوديوم لا يجب أن تتعدى 2000 ملغم. أي ما يُعادل 5 جرامات من الملح (ملعقة صغيرة). في نفس التقرير أفادت منظمة الصحة العالمية أن متوسط الاستهلاك اليومي للملح يمر بمعدلات مرتفعة للغاية في الشرق الأوسط. إذ يصل في دولة مثل الأردن إلى 19 جرام يوميًا من الملح، وفي لبنان وصلت كمتوسط إلى 7.2 جرام يوميًا لكل فرد. تخفيض الملح سيساهم بنسبة كبيرة في تخفيض العرضة للإصابة بالأمراض والأضرار التالية: هشاشة العظام من فوائد الصوديوم ضبط توازن المعادن في جسم الإنسان. زيادة استخدام الصوديوم، يؤدي إلى حدوث اختلال في توازن تلك المعادن، أبرزها الكالسيوم. الجسم المعبأ بالصوديوم يعجز عن امتصاص الكالسيوم بالكمية المناسبة، والكالسيوم معدن أساسي للحفاظ على صلابة تكوين العظام، والحد من هشاشتها. أضرار الملح على الكلى تحتوي كل كلية من كليتي الإنسان على العديد من الشعيرات الدقيقة، شديدة الحساسية التي تعمل على تنقية دم الإنسان من المعادن الزائدة ومن ضمنها الصوديوم. تظل الكلى تقوم بعملها بكفاءة، طالما احتفظ الجسم بنسبة الاستهلاك الطبيعية للصوديوم. أما في حالة المبالغة في استهلاك الصوديوم – بالإفراط في تناول الطعام والأغذية المالحة – تشكل عملية التنقية حملاً ثقيلاً على الكلى، ومن ثم تقل كفاءتها، بسبب تضرر تلك الشعيرات الدقيقة. أما بالنسبة للأضرار الملموسة المتعلقة بالكلى، فيتمثل ذلك في احتمالية الإصابة بحصوات الكلى في وقت مبكر من العمر بسبب هذا الاستهلاك الكثيف للصوديوم. ارتفاع ضغط الدم يرتبط ارتفاع ضغط الدم بزيادة استهلاك الملح بشكل وثيق. فزيادة الصوديوم في جسم الإنسان تتسبب في احتباس الماء، وهذا يؤدي إلى زيادة حجم الدم، ومعه يرتفع ضغط الدم. ارتفاع ضغط الدم يعتبر الطريق الممهد للإصابة بالكثير من أمراض القلب والدماغ، وأخطرها بالطبع الجلطات والسكتات القلبية والدماغية. تنبع خطورة تلك الجلطات والسكتات من فجأتها للإنسان في أوقات قد يكون غير مستعد لها، وقد تتسبب – إن لم تُعالج سريعًا – في تلف أحد أجزاء أو وظائف الجسم، أو الوفاة. الإصابة بالأمراض القلبية القلب هو المضخة الحية التي تعمل منذ نشأة الإنسان – وهو بعد في بطن أمه – وحتى وفاته. القلب يؤدي وظيفته باتزان طالما يحصل على الكميات المسموح بها من الدم. زيادة ضغط الدم تؤدي إلى زيادة عبء ضخ الدم على القلب، وربما تؤدي إلى تضخمه، وضعفه عن أداء وظيفته. الأمراض القلبية تتسبب في ضعف مواجهة عضلة القلب للجلطات والسكتات المفاجئة. فانسداد الشرايين المؤدية إلى القلب يُقلل نسبة الدماء التي يجب أن يضخها القلب، فتُضعف من أدائه، وتعرضه أكثر للجلطات القلبية. مشاكل في الجهاز الهضمي أضرار الملح لا تقتصر على القلب والشرايين وإنما تمتد لوظائف الجهاز الهضمي. من المعروف أن الصوديوم يؤدي دورًا هامًا في حفظ قاعدية وحمضية الجسم بشكل متوازن. المبالغة في تناول الصوديوم يؤدي إلى حدوث اختلال لهذا التوازن. تتمثل أعراض زيادة الصوديوم البسيطة في الإحساس بحرقة في المعدة، وقد تتطور الأعراض لتصبح خطيرة بحدوث قرحة أو سرطان في المعدة. فقد أثبتت الأبحاث أن هناك ارتباطًا بين زيادة الكمية المستخدمة من الملح، مع احتمالية الإصابة بسرطان المعدة. خلل في هرمونات وأجهزة الجسم الصوديوم هو المسئول عن تنظيم المعادن في الجسم، وتواجده بكثرة يتسبب في حدوث ارتباك للهرمونات والأجهزة التي تتحكم في العمليات الحيوية في الجسم، مثل تنظيم كهرباء الجسم، والتي تؤثر بدورها على مسارات الأعصاب. هذا الخلل قد يؤدي إلى حدوث أعراض نفسية وجسمية مثل الاكتئاب، الدوار، عدم الاتزان العصبي، الشد العضلي، وغيرها من الأمور التي قد تبدو وقتها بدون تفسير واضح، ولكنها تحدث بسبب كثرة تناول الصوديوم. ضعف القدرات الإدراكية حينما يرتفع ضغط الدم، وخاصة في الشرايين المغذية للمخ، قد يتسبب هذا في حدوث الكثير من الأضرار للمخ في المراحل المتقدمة من العمر، وخاصة إذا اجتمع كثرة استهلاك الملح مع قلة الحركة. ففي دراسة نُشرت عام 2011 بمجلة Neurobiology of Aging تبين أن النظام الغذائي الذي يعتمد على الملح بشكل كثيف، يتسبب في حدوث ضعف في القدرات الإدراكية لدى كبار السن، ومن ثم يجب وضع أضرار الملح في الميزان، حينما يأتي الحديث عن حياة صحية طوال العمر. :
https://mqalaat.com/%D8%A3%D8%B6%D8%B1%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%AD